البرهان على قدم العالم وعدم الإله الإبراهيمى

مرحباً 🙂

قدّم الفلاسفة القدماء برهاناً على قدم العالم ، وهو قوىّ بالدرجة التى جعلت المتكلمين يصفون موضوع هذا البرهان بأنه :

المعضلة الزّباء ، والداهية الدهياء

وحاول المتكلمون الرد على هذا البرهان والإنفكاك عن لوازمه دون جدوى ، ومثال على ذلك نجد الفخر الرازى فى الأربعين فى أصول الدين يناقش هذه القضيّة فى 29 صفحة ( من 66 – 81 و من 205 الى 217). وقد تعقّبه الإمام سراج الدين الأرموى ونقد أجوبة الرازى واحدة واحدة فى كتاب لباب الأربعين ( وهو مخطوط يمكن الحصول عليه من مكتبة الأسكندرية ) ، وبالفعل كانت أجوبة الإمام لا تخلو من نقد.

وهنا لم أقدّم الصيغة الأصلية ، بل صغته بطريقة اجدها – من وجهة نظرى – أسهل فى الفهم وأوضح.

المقدّمات :


اذا كان التسلسل محال والعالم له بداية ، فيوجد حادث أوّل لا يسبقه اى حادث ، ولنسميه ( ح1 ).
الترجّح من غير مرجّح باطل.
المعلول يتبع علّته قدماً وحدوثاً ( العلّة الحادثة معلولها حادث ، والعلّة القديمة معلولها قديم ).

الإستدلال :


وفقاً للمقدّمة الثانيّة ، يستحيل ان يحدث الحادث الأوّل ( ح1 ) بدون علّة.
وفقاً للمقدّمة الثالثة ، لابد ان تكون علّة الحادث الأوّل ( ح1 ) حادثة.
بالتالى يجب ان تسبق علّة الحادث الأوّل معلولها.

هذا يؤدى الى التناقض مع المقدّمة الأولى التى تفرض ان الحادث الأوّل هو ( ح1 ) وليس علّته.

الإستنتاج :


يستحيل وجود حادث أوّل ، فلا بداية للحوادث. وبالتالى يجب القول بأحد احتمالين :

1. تسلسل الحوادث فى القدم دون الإستناد الى واجب الوجود. فكل حادث معلول للحادث السابق وعلّة للحادث التالى.

2. تسلسل الحوادث فى القدم مع الإستناد الى واجب الوجود ، فيمثّل واجب الوجود علّة ناقصة ، ويكون كل حادث هو شرط لوجود الحادث التالى.

وكلا الإحتمالين يؤدى الى القول بقدم العالم ، ونفى الإله الإبراهيمى.

شكراً لقراءة المقال 🙂

المبادئ الثلاثة للتفسير وتوقّع التصرّفات

مرحباً 🙂

كتفسير تطورى ، فقد توفّرت فى دماغ الإنسان مميّزات حافظت له على بقائه كنتيجة حتمية للإنتخاب الطبيعى ، هذه المميّزات هى قدرة الإنسان على توقّع التصرّفات من حوله ، وقد صنّفها الفيلسوف وعالم النفس المعرفى دانييل دينيت فى “المبدأ الغائى”.

http://en.wikipedia.org/wiki/Daniel_Dennett

وقد صنّفها دينيت الى مبادئ ثلاثة :

1. المبدأ الفيزياوي: وفق هذا المبدأ يقوم دماغك بالتحليل الفيزيائي للمؤثر ويقوم بالتقرير وفق نتيجة ذلك التحليل، مثلا لو رأيت جسم ساقط باتجاهك، فان دماغك سيقوم بالتحليل وفق المبادئ الفيزيائيه البسيطه، ليقرر ان هذا الجسم يتجه باتجاهك، وبذلك يقوم دماغك بامر جسمك بالابتعاد لتجنب الخطر.

هذه الحااله مفيده لكن ليست في كل الاحيان، فالدماغ ليس بامكانه التحليل الفيزيائي بسرعه كافيه لكافة الاشياء حوله، فربما سيأخذ منك فهم المبدأ الفيزياوي لعمل المسدس وقتا اكثر من الذي تملكه لو وجه باتجاهك.

2. المبدأ التصميمي: وفق هذا المبدأ يقرر الدماغ التصرف وفق نتائج موضوعه سابقا، ففي مثالنا السابق، الدماغ يعرف بأن المسدس يمثل تهديدا للحياه، حتى لو لم يعرف الية عمله، ولنفس الشيئ، فأن الدماغ يتوقع ان يعمل التلفاز اذا وصلته بالتيار الكهربائي وضغطت زر التشغيل، من غير ان يعرف الكيفيه التي عمل بها، وهذا يوفر عليه جهد كبير في التحليل وفق المبدأ الفيزياوي.

*لايهم المبدأ التصميمي كون المؤثر ناشئ نتيجة فعل عاقل او فعل غير عاقل، الامر الذي يهتم به هو وجود تصميم.

3. المبدأ الغائي: وفق هذا المبدأ، يفسر الدماغ كل الاشياء التي حوله على انها تملك غايه، بغض النضر عن مبادئها الفيزياويه او التصميميه، فأن الجسم الساقط بأتجاهك –غايته- الاصطدام بك، وهذا التفسير موجود منذ نعومة اضفار البشر، وقد افاد البشر كثيرا اثناء تطورهم، فلكل شيئ حولهم غايه او هدف، فعندما يهاجمك حيوان مفترس، فانت لاتهتم بجزيئاته وضغط دمه”القصد المبدأ الفيزيائي”، او الطريقه التي ركبت بها عضلاته ليمتلك القوه لكي يقتلك وبتصميم اسنانه “المبدأ التصميمي” بل الذي يهمك هو ان لهذا الحيوان الغايه على اكلك، لذلك يعطي الدماغ الايعاز بالخوف والهرب.

*المبدأ الغائي لايفرق ايضا بين المؤثر الواعي والمؤثر غير الواعي.

وفق هذه المبادئ الثلاث يقوم الإنسان بتفسير التصرفات فى العالم المحيط به.

لو نظرنا الى الأديان البدائية فى القبائل البدائية الإفريقيّة وغيرها فى الأمريكيتين ، سنجد ان الإنسان يفسّر المظاهر الطبيعيّة التى يعجز عن تفسيرها تفسير فيزياوى أو حتّى تصميمى ، فإنه يلجأ للتفسير الغائى. فنجده يفسّر الكوارث الطبيعيّة بأنها غضب الآلهة ( غايتها ) على أفعاله ، وبالتالى عليه تقديم الأضحيات والقرابين ليتّقى شرّها وغضبها.

لا يجد تفسيراً فيزياويّاً او تصميميّاً لحالات الصرع ، فيلجأ للتفسير الغائى لتفسيرها بأنها أرواح شرّيرة دخلت هذا الجسم ( غايتها ) أذيّة البشر. ومن وجهة نظر الملحدين ينطبق هذا الأمر على بقيّة الأديان.

وهناك الكثير جدّاً من هذه الأمثلة ، حتى اصطلح على تسميه هذه الآلهة بآلهة الفجوات ، فكل فجوة تفسيريّة يحتاج الإنسان الى تفسيرها ، ولا يجد تفسير فيزياوى او تصميمى ، يأتى دور الاله لملئ هذه الفجوة المعرفية بتفسير غائى.

وهذا بعكس التفسير العلمى ، فالعلم وظيفته هى تفسير العالم تفسير فيزياوى أو تصميمى على الأقل.

فهم هذه المبادئ مهم فى كافّة العلوم ، وخاصّة فى المجال النفسى ، لاننا بها لا نتعرف على العالم فحسب ، بل نتعرف على أنفسنا كيف نفكّر ولماذا نفكّر.

شكراً لقراءة المقال 🙂

منقول بتصرف.

Don’t judge too quickly

مرحباً 🙂

هذا الكليب يشرح نفسه ولا حاجة للشرح ، وإنما أحتاج الى ان اوضح مدى علاقة هذا الكليب بحياتنا.

نحن عادة نرتكب خطأين فى الإستنتاج والحكم على الأمور ، وهما الإختزال والتعميم ، فنختزل سبب مشكلة معيّنة فى سبب بعينه ، أو نعمم حكم خاص بأفراد على مجموعات بأكملها.

على سبيل المثال ، قضيّة التحرّش الجنسى فى الوطن العربى والإسلامى. ادخل على المنتديات أو أى صفحات نقاش على الإنترنت ، ستجد أن غالبيّة الردود هى :

“سبب المشكلة هى عدم التمسك بالحجاب ، فالبنت ان لبست الملابس المثيرة فستتعرض للتحرش وإن التزمت بالنقاب والحجاب فلن يتعرض لها احد ، فهى تستر نفسها ، وبالتالى لا سبب يدعو الى التحرش بها بل الى احترامها”.

وللوهلة الأولى ، نجد ان هذا الرأى جميل والتحليل جيّد ، فبالفعل ان كانت البنت منقّبة وساترة لنفسها فلماذا سيتحرش بها الشاب ويترك التى تلبس الملابس المثيرة ؟!

ولكن قليلاً من التفكير والبحث سنجد ان هذا التحليل خاطئ ، فمن ضمن الأسباب – لوجود العديد من الأسباب – التى تجعل الشاب يتحرّش بالمحجّبة والمنقبة ، بل يفضّل التحرش بها على المتبرّجة التالى :

1 لضعف شخصيّة المرأة المنقّبة والمحجّبة عادة فى مجتمعنا ، لانها معتادة على الطاعة ، بعكس المتبرّجة التى تأخذ قسطاً اوفر من الحرّية وابداء الرأى والمطالبة بالحقوق ، وبالتالى سأفضّل أن أتحرش بالمنقّبة على المتبرّجة لأن فرصتى أكبر فى النجاة من محضر التحرّش 😀 ، وهذا ليس مجرّد تحليل نظرى بل هو واقع من تجربتى الشخصية فى فترة من فترات حياتى null

2 نظراً لأن المرأة المنقّبة ثم المحجّبة تمثل الفاكهة المحرّمة 🙂 ، فهذا النقاب يضيف عليها المزيد من الإثارة الجنسية والرغبة فى التحرّش بها لأن “الممنوع مرغوب” 😀

3 هذا بالإضافة الى سبب مهم ، وهو عدم تربيتنا على التعامل مع الآخر على انه انسان ، فنحن عادة نلقن الأخلاق كأمور تحفظ ولا تزرع بداخلنا ، فمن قال بأن المتبرجة تفرّط بحقها فى عدم التحرش طالما لبست لباس غير محتشم ؟ من الذى يعطى وينتزع الحقوق من الآخرين وفقاً لمدى توافقهم او اختلافهم معه فى الفكر أو الرأى ؟! لا احد.

فهذه المسألة قد أخطأ بها الكثير والكثير بإختزالهم جميع الأسباب المؤديّة للتحرش بلباس المرأة غير المحتشم ، وهذا خطأ يجب ان يتلاشاه من يبحث عن النجاح فى حياته.

القضيّة الأخرى هى قضيّة التعميم ، دائماً نجد التعميم فى حياتنا. أى مصيبة تحدث فى العالم ( اليهود هم السبب ) ، اى حدث همجى يحدث من بعض الجزائريين ( الجزائر دولة الهمج ) ، بحث علمى أمريكى جديد ( جميع الأمريكيين متحضّرين وأزكياء ) ، حادثة اغتصاب محارم فى انجلترا ( الغرب فاسق وداعر ).

null

التعميم خطأ ، واذا اردت النجاح فى حياتك فيجب ان تتعلم ان تفصل بين الأمور ، فما ينطبق على البعض لا ينطبق بالضرورة على الكل ، واذا اكتشفت سبباً لمشكلة ما ، فلا يعنى هذا بالضرورة انه السبب الوحيد ، بل تحتاج الى المزيد من البحث والإستنتاج حتى تصل لقرار أفضل وحكم أقرب للحقيقة.

شكراً لقراءة المقال 🙂